الثلاثاء، 30 أكتوبر 2012

ثلاثية كالإنصات لشخصين مختلفين يتحدثان فى نفس الوقت



الجزء الأول : فكرة فيلم سينمائى

فى عالم يستطيع أن يبيع و يشترى كل شئ ، ستصدقنى إذا قلت أن هناك وظيفة تدعى "منتج فيديو ايحائي"
الفيديو الايحائى :
هو مادة مصورة عادة ما تحمل خط واحد للفعل ، برغم تعدد صور الفعل ، و هو فى ذاته يعتبر عمل غير مكتمل و لكن يستخدم مع مادة أخرى لتكملة محتواها.
أمثلة على عمل الشخصية الرئيسية فى مجال الفيديو الايحائى :
يقوم بأداء حركات تمثيلية فى تتابع يشبه الرقص ، كل ذلك بمصاحبة الموسيقى الصوفية العذبة (آلة نفخ)
أمثلة لنشأة الفيديو الايحائى :
فى زمن سابق يدعى "زمن الفيلم السينمائى" حيث كان الفيلم السينمائى هو الشكل الرسمى للتعبير عن الفنون المصورة .. و كان صيغة قياسية.
تمكن شخص ما من تملك مفردات الفيلم السينمائى حتى تمكن تماما من التحكم فى مشاهديه ، و كان بامكانه أن يقتل أحد المتابعين لأفلامه  من خلال تتابع عرض لغة سينمائية قاتلة ..
و هو ما قام به بالفعل فى أحد أفلامه القاتلة .. وضع اللقطات القاتلة فى إعلان الفيلم و قتل ملايين البشر ، أما من نجى فتوجه إلى السينما لمشاهدة الفيلم ليعرف السر ، و هناك قادهم إلى اللقطات القاتلة بالتدريج و هذه المرة نجحت فى القضاء عليهم ، ظن أنه إله لحظة أن كان واقفا على منصة تتويج أحد المهرجانات العالمية للفيلم ، اعتقد أنه أفنى الناس جميعا و أنه وحده الباقى فى الكون ، و لحظتها كان شخص ما على شبكة تويتر قام بنشر تغريدة :" أنه فقد ابنه الذى كان يشاهد هذا الفيلم ثم مات ، و هو يكاد يجن من الحزن و لا يستطيع تقبل فكرة أن الفيلم قتله (الفيلم القاتل #) و هكذا وردت العديد من الهاشتاجز على الشبكة خلال هذه الفترة ، تم افتتاحها لهذا الموضوع  و افتضح أمره بعدها و لم يعد يستطيع الدفاع عن نفسه أمام المؤسسات التى ترصد قتلى فيلمه ، و بقى السؤال فى رأسه و هو يواجه حكم الاعدام " كم ميتة على أن أضعها فى فيلمى القادم حتى يفنى العالم أجمع ؟" و لكن فى كل مرة أفنى أنا و يبقى العالم ..
و من يومها تم حظر الفيلم السينمائى .. و نسى العالم تصوير الكاميرا لشئ بخلاف الأخبار ..
و لم يعد الناس يقتنوا الكاميرات فقط يشاهدون ما تصوره فى الأخبار ، إلى أن إكتشف مراهق كاميرا فى خزانة والده و قام بتشغيلها على نحو غير مؤذى ، و لكن الخبر انتشر و عرف العالم أنه شغلها ، و كان ذلك للعالم كنذير الشؤم ، ثم اتضح للعالم أنها غير مؤذية و سمى هذا الفن الفيديو الايحائى ، و لكن لأنه لا يقتل اعتبر ناقص و تم خلطه مع مادة أخرى .... ليقتل ؟؟      !!!

الجزء الثانى : أبيعكم شيئا .. هل تشترونه ؟!

كان المصعد يقترب من الدور الذى أراد الوصول إليه ، أخرج زجاجة عطر صغيرة و قام بنثر شئ منه على زيه الأنيق كما ينبغى تماما لمندوب مبيعات يحكم العالم ..
نظر إلى الجموع المحتشدة مباشرة عبر الشاشات ، تنحنح و حمل حقيبته السوداء من على الأرض و وضعها أمامه على المنضدة فتحها و استخرج منها ..
" أعرض عليكم اليوم نهاية محترمة لهذا العالم .. مطاطية ، سنقوم بتطبيق العالم على ذاته ليدخل الكل فى الكل .. و يسود السلام الدائم الموت .."
لم ينطق أحد ليعبر عن الرغبة فى الشراء ..
غادر مقعده بعد أن أغلق حقيبته و انصرف محبطا كالعادة ، و كان القلق كالعادة يلتهمه يشعر دوما أنه قريب من فقد وظيفته الجميلة التى تمنحه إمكانية مخاطبة الجموع ، التى كفرت بحديثه ، و لديها الحق لأنه لم يستطع أن يعرض عليهم يوما شراء الأمل كما وعدهم ، كان هذا فى أوائل أيامه فى عالمهم حيث سأله أحدهم : أتبيع ؟؟ رد السؤال بسؤال : أتشترى ؟!! قال الآخر : ألديك أمل ؟؟، أجاب : لا و لكن يوما ما قريبا سأعرضه عليك .. و لكن لم يأت هذا اليوم أبدا..

الجزء الثالث: حذاء الرجل غير مقنع..

 : 1كيف يكون الحذاء مقنعا ؟
 : 2لا يكون .. بالضبط هذا ما أقول ..
 : 1نعم نعم ، و لكن ؟؟
 : 2ماذا ؟
 : 1لا شئ .. فقط  حذاء الرجل .
 : 2ما له ؟؟
 : 1غير مقنع ..



الاثنين، 29 أكتوبر 2012

تاريخ النسيان .. اليمنى أم اليسرى ؟



أمام الباب الموصد تحت وطأة السؤال : بأي اليدين صافح حارس العقار ، هل كانت اليمنى ، هل بدا الأمر طبيعيا ؟ أتى إلى هنا مخمورا أكثر من مرة و انصرف كثيرا و هو غير واع ، و لكن تلك المصافحة ربما كانت علامة إن كان بكامل قواه العقلية أم أنه فقد السيطرة حتى و إن كان ذلك بشكل مؤقت ، يضغط الجرس بشكل متتابع و لا تأتيه إجابة ليست هناك إشارة إلى وجود أحد بالداخل ، تتجاهله ، تلك الأفكار تنهشه أمام الباب الموصد الذي لا يبدو أنه سيفتح ، ربما عليه أن يعود أدراجه إلى المنزل ليغضب على إنفراد و يعد خطة ، هكذا كان يفكر ، تراجع عن الباب و سمح لجسده المنهك بقليل من الراحة على أولى درجات السلم ، صوت بدا كما لو كان حركة تنبعث من خلف الباب الموصد ، ثم لا شئ  ، أنهكه الانتباه المفاجئ أكثر ، تداهمه نوبة من الضحك الهستيري ، ضحكاته الهستيرية المكتومة تملئ عينيه بالدموع و لا يتوقف عن الضحك و يمسك رأسه الذي يسحقه صداع خاطف ، هل انقطع النور ؟ تحسس دموعه التي بدأت تجري على خديه ، هو لا يفهم ما يحدث ، هل أصابه العمى ؟ يتحسس الجدران  و ينهض و يضغط زر الجرس فيسمع الصوت ، لا يدري شيئا عن العبث الذي يجري الآن ، في حذر يعود إلى موقعه على درجة السلم الأولى ، يسند رأسا يمتلئ عن آخره إلى الجدار ..

و يجري في الشارع المظلم بكل طاقته ، كان يدخن سيجارة تكاد تنتهي و على بعد خطوات تقترب منه حفرة صغيرة تجمع فيها الماء فتذكر كل اللقطات الخالدة لانطفاء السجائر في حفرة صغيرة يتجمع فيها الماء في شارع شبه مظلم ، خيط دخان يتصاعد  و ذبول النار المفاجئ  و صوت يشبه تهشم داخلي رقيق ، ألقى السيجارة في الماء فانقلبت ليبقى الجزء المشتعل إلى الأعلى ، مد قدمه في حركة عفوية و أطفئ السيجارة و غاصت قدمه و اكتشف أن الحفرة أكثر عمقا مما قدر ، سحب قدما مثقلة خارج الماء ، الدوائر التي ولدتها حركة قدمه في الماء تسكن ، ثم تقع عينيه على صورة ما في الماء فيجري في الشارع المظلم بكل طاقته ، ثم يتذكر أنه لا يمكنه تحديد الصورة التي رآها في الماء فيتوقف منهكا ..

ينتظر لبعض الوقت ممسكا طرف الغطاء الأبيض أعلى وجهه ، ثم يزيحه و يختلس النظر إليها ، فتتصنع الاستياء و تداري الضحك في دلال يبدو في صوتها الذي يأمره بأن يتوقف ، فيعيد رفع الغطاء الذي يحجب الرؤية في نعومة ، ثم يعيد الكرة و يزيحه فيرى ظهرها العاري تلتفت له مرة أخرى ، و قبل أن تقول يعيد هو رفع الغطاء و يستمر هذا ، حتى تؤلمه ذراعيه فيبقي الغطاء على وجهه و تجتاحه رغبة في النوم ، يرى الآن ظلال الأشياء من خلف الغطاء الأبيض ، يحاول أن يزيحه ليرى الأشياء ذاتها فيبدو عاجزا ، بذراعين مفرودين عن آخرهما ، يتعلق خلف الغطاء الأبيض يرى تفاصيل ما يدور بين ظلها و ظل الغريب ، ظلان يلتحمان في تؤدة و صبر ، يمنحه الوقت ليحتار هل هو غاضب ، و لماذا يغضب ؟ من هي ؟ ما هي طبيعة العلاقة التي تربطه بها أو تربطها به فقط كل ما بينهما هو رفع الغطاء و إزاحته ، و ذراعين مفرودين عاجزين عن إزاحة الغطاء أرهقهما الوضع ، و صخب نهاري و جاذبية أرضية ، و جسده المعلق خارج البناية لصق النافذة ، و اختيار البقاء معلقا مع الألم يبدو منافيا للواقع ، و اختيار ترك هذا الجسد ليهوي الآن أيا كانت النتائج .. حدث بالفعل.

يرفع رأسه عن الجدار ، و يهبط درجات السلم بلا تفكير ، بوادر الصباح تملئ طرقات ساكنة ، تتحرك تدريجيا في كسل ، و هو برأس فارغ يسبق كل شئ ، يتحدى أتوبيس نقل عام أن يصل إلى المحطة قبله و يسبقه ، و يعبر إلى الجانب الآخر من كوبري تعبره السيارات القليلة مسرعة قبل أن يعبره مركب شراعي ، و يعد مائة و خمسين كتابا و مجلة و جريدة قبل أن يجد بائع الجرائد عملات معدنية باقي لزبون ابتاع الجريدة قبل أن يبدأ هو في العد ، و حفظ الأرقام و الأسماء المخزنة على هاتفه المحمول قبل أن يلقي به في الماء و يعاود ذكرها أثناء المشي ، و يصل إلى مقهاه المفضل بعد ما يقارب خمسة آلاف و مائة خطوة ، خلال الخمسة آلاف الأولى منها لم يكن يعلم أنه ذاهبا إلى المقهى ، و صافح عامل المقهى ، و جلس يفكر إذا كان صافحه باليد اليمنى أم اليسرى ، و تردد كثيرا حتى قرر أنه سيسأله عن ذلك ، و اكتشف أنه نسي كوب الشاي حتى أنه أصبح باردا ..

الأحد، 28 أكتوبر 2012

الرجل و القط ..


صديقى يحيا على كفين و ركبتين ، و بين الحين و الآخر يموء بحثا عن قط أو قطة لكسر الوحشة ، يوما ما كان رجلا يسير على قدمين ، ثم ودعنى أنا و زوجته و أولاده ، قال ستنقرض الانسانية و البشرية و يولد شئ آخر ..هذه النهاية لا تعجبنى ، نزل على كفيه و ركبتيه و بدأ يتحرك و يموء ضحك أبناءه الصغار و بكت أمهم ، و أنا انفجر قلبى ، خرج من الباب و لم يعد ، يحيا الآن كقط ، الليلة كنت عائدا إلى البيت أحمل عشائى ، فلاح لى القط صديقي خارجا من الشارع الجانبى ، عرفت عينيه فى نثار الضوء الخافت الذى أهداه الطريق الرئيسى إلى الشارع الجانبى ، رآنى أقترب منه بدا عليه ترقب القطط عند اقتراب الغرباء ، وقفت على مسافة منه حتى لا أفزعه فيهرب ، بعد لحظة أقترب منى ، أخرجت شيئا من الطعام الذى أحمله فتهلل وجهه و بدا متحمسا ، انتهى من أول قطعة ألقيتها له ، خطر فى ذهنى أن أدعوه لتناول شئ ما على مقهانا القريب ، أخذت أقطع له قطع أصغر من الطعام خوفا من ان يشبع فيكف عن اتباعى و صلنا المقهى الذى يوشك على الإغلاق ،طلبت له كوبا من اللبن ، و صرت أسكب له فى طبق فنجان القهوة الخاص بى شيئا فشيئا و هو على الأرض إلى جوارى يلعق اللبن من الطبق حتى يأتى عليه فنعاود الكرة ، سألته كثيرا فلم يمنحنى أية إجابة ، فبدأت أحكى له دون أسئلة عما يجرى لم يبد منتبها فقط كان يحك جسده فى رجلى و قدمى و يلعق حذائى ، توترت لفعله هذا فسألته كيف يعيش الانسان بعد أن ينفجر قلبه لم يجب فقط تحفز للهرب على أثر الحركة المباغتة التى قمت بها ، لم أسيطر على نفسى فحاولت أن أركله و لكنه هرب ، و وقف ينظر لى من مسافة آمنة ثم انصرف ، دفعت حساب المقهى و انصرفت.

الذراع الضعيفة و الثقب الأسود


ألتهم التفاحة بنهم وحشي و سرعة قبل أن يفتح عينيه و يراني و يلقى بالسؤال على ثيابي ، فيلطخها بالسؤال اللزج الذي سيظل يتسع على ثيابي حتى تبلى و على أحسن الفروض سأضطر لتغييرها فأتأخر عن العمل ، و هنا أنتهي .. فالآلهة الغاضبة لتأخري ستنتظر الكذبة القربان لتغفر لي  ، و أنا ما عندي كذبة إلا أنا.. أسترجع الحسرة الآن ، الشهر الماضي قطعوا ذراعا من راتبي ، هذا الذراع المقطوع كان ثمنا لخمسة كذبات من النوع الجيد هذا ما كنت أحلم به ، عندها مشيت في السوق بذراع مقطوعة و تجار الكذبات على الجانبين جلسوا في زهو إلى جوار بضائعهم ، لم أكن أقصد جلد الذات عندما مررت من السوق و أنا ما عندي ثمنا للكذب ، فقط كان هذا طريق البيت ، و كل خطوة في طريق البيت تقابلها خطوة في الزمن إلى الوراء ، و وجدتني قبل شهر مضى بلا ذراع مقطوعة أملك ثمن الكذب ، أقلب في البضائع و أساوم و لا أرتضى أيا من الصفقات المطروحة حتى وجدني شاهبندر التجار على هذه الحال و استفزه تحلق الباعة حولي بلا طائل ، ارتدى زى الباعة و تقدم نحوى فانفض الباعة من حولي ، قال أحدهم في الرحيل كنت أعلم أنك للشيطان منذ البدء ، سألت البائع الذي صرف الآخرين عما لديه ، فأجاب كفا بكف ، اشتريت خمس كذبات بكف اقتطعها دون عناء مني ، و كنت ألتهم تفاحتي ببطء و تلذذ ففتح عينيه و رآني ، و ألقى السؤال الوصمة فبدلت ملابسي ، و ذهبت متأخرا إلى العمل ، و ألقيت إحدى الكذبات الخمس في غضب الآلهة و بدلا من أن يهدأ الغضب فار التنور ، فزعت فاختبأت في دورة المياه حتى أزفت ساعات العمل ، و عندما خرجت منعوني من الانصراف و عنفوني لشراء الكذب الرخيص قالوا أما تستحي هذا كذب يصلح لمراهق أما أنت فرجل عامل يجنى الثمن ، و عندما حان موعد تقاضى الأجر قطعوا ذراعا ، و وجب على أن أعيش حتى الموعد القادم في الحقيقة .
و صلت إلى العمل دون تأخير ، و قضيت الساعات منصرفا إلى عملي ، ألقي الذكريات بذراع واحدة ضعيفة نحو الثقب الأسود فتعود إلى فأعاود إلقاءها نحوه فتعود ، و أحاول أن أحيا في هدوء فتأتى الأم بمن فرغ من نومه و فتح عينيه و تضيفه إلى الثقل الذي يفوق طاقة ذراعي ، فأنزله فتعاود وضعه و هو يظنها لعبة ، أخشى أن أنسى فألقيه إلى الثقب الأسود فيلتقمه ، أعنفه فيبكى و أبكى و يجمع ما له و يهجر ثدي الأم فألتقمه و أتضاءل ، تسأل الأم عنه فيقولون في طرقات المراهقة مع رفاق السوء يدخنون الكذب الرخيص..
و ألتهم التفاحة دون حماس ، فتقف في حلقي و أتمنى رؤيته و لكن التفاحة الواقفة في حلقي تسد البصر و الحياة.      

الخميس، 25 أكتوبر 2012

يلعن تاريخك .. الرجل و اللعنة


صديق الأب الذي فضلته في طفولتي ، ذلك الرجل القصير الممتلئ القوام ، يحمر وجهه عند الانفعال الذي على ما أذكر لم يخرج عن نطاق انفعالات مصاحبة لمداعبة الصغير .. أنا .
لا تمحى من الذاكرة تلك اللعنة التي يفضلها هذا الرجل : " يلعن تاريخك " بلهجة تعود إلى مسقط رأسه الذي أجهله ، و أدين له برحلة مدرسية  أقنع والدي بأن يلحقني بها ، عندما أعلمته برفض أبي ..
أستعيدها الآن ، و أزيل ما علق بها من براءة ، و أزنها ، فتزن شيئا معتبرا يقال لصنيعة المرآة ، " يلعن تاريخك " ، لا أحب الحديث عن الرجل فهو كغيره ممن اكتظت بهم حياتي محبي التواري و المرور بسلام ، أولئك الذين لم يحمللوا الحياة أكثر مما تحتمل ، و خلفوا فراغا بعد التكفل بمهمة ضغط ذواتهم في أضيق حيز ، هذا الفراغ الكبير الذي صار على مشروع المبالغ من جنس المتواضعين أن يملئه ، بماذا ؟؟
بعلاقات انسانية ، بطموحات فنية ، بتأملات حياتية ، و الكل في المحصلة لم يفي بالغرض ، بعلاقات انسانية نسيانية يحكمها في أوجها نسيان الانساني لتحقيق الأنس ، و يكون الأنس بالنسيان لاحقا حتميا عليها بعد استيفاء أطوارها ، بطموحات فنية تفنى قبل أن توجد عندما يطغى عليها خلط ما هو فني بما هو انساني و لحدوث ذلك أوجه ، فقد تبحث الفكرة عن الحكي لتصقل بينما الواقفون فوق التراب ينافسون الراقدون تحت التراب في الصمم ، و لهم في ذلك حكم ، و قد تولد الفكرة بعيب خلقي فجسد بلا رأس ، جسد يحب الرقص بيني و بينه أو بينها و لا أعتقد أنه قد خرج إلى الوجود شئ من رحمين ، و أوجه أخرى كثيرة تشبه ذلك و تختلف ، و التأملات الحياتية تضخم حياتي .. مشروع تاريخي بالكثير من المبالغة ، و الآن تقف بي هنا عند الرجل الذي قال : " يلعن تاريخك " .   

إلحاح


صديقي الجديد يلح في مسألة البوح ، لمن ؟ و لم ؟

قال للهواء للاشئ ، هذه حصتك من تسميم الهواء الذي نتنفسه ، فلتبح و لا تكن صديقا للبيئة ..لم اقتنع ، قطعنا المسافة الطويلة حتي المأوى سيرا على الأقدام  ..طوال الطريق تقريبا كنت صامتا ، مع دوام محاولة إيجاد ما يقال ، شعرت بالحرج ، خشيت أن تتأذى مشاعره ، أن يفكر أنني لا استمتع برفقته ، و لكنه صاحب وجود طيفي ، فقط تغويني صحبته بالاسترخاء ، تجعلني ألعن محاولات إيجاد الكلمات ، و نترك هذا الشارع المضئ بشكل مزعج ، إلى آخر مظلم و ساكن ، ثم مرة أخرى إلى أنوار فاضحة تجعلنا نحن الخجولين نغض البصر عن التفاصيل المادية و نكتفي بالداخل ، نمر بجماعات تحتل المقاهي التي تفترش الأرصفة ، يصدر عنها زبد صوتي مختلط بأصوات كل شئ ، لا شك أنهم يقولون و أنهم يعتقدون أن من يجلسون معهم يستمعون ، كل هذا البذخ في استهلاك الوقت ، و ادعاء البهجة و ادعاء الحوار ، يذكرني بما كان ..يقول ردا على بعد أن أشركته في الأمر ، هل لابد أن يحزن العالم كله لأنك تريده كذلك ؟إطلاقا لا أريد ذلك ، حتى لو أردته لما أهمني تحققه ، ما الفارق في وجود أخرى عبثية ذابلة إلى جوار الذابلات الأخر المكدسات في الداخل ..يقول أنا واثق أن كل ما هو منك ، ليس سعيدا بذلك ، أتعجب ، فيسترسل أنت تقدم التنازلات قبل الجلوس على طاولة المفاوضات حتى ، تكتم الرغبات قبل أن تتولد داخلك ، أنت تخشى أن يكون لك رغبة تحقيقها بيد الآخرين أو عكس إرادة الاخرين أو .. يصمت ربما بدا على الضيق ، هذا ما دار بعقلي حينها حتى الوافد الجديد يمارس دور الآخرين القديم ، يودعنى خانة يريد أن يسيطر ربما من باب التحديد الضرورى للمعرفة ، و أنا تحدثت مع نفسي كثيرا في هذا الموضوع و أعتبر فعل الآخرين لهذا سذاجة لا مفر منها ، و لكن العواقب عادة ليست لطيفة ، فتحجيم بغرض المعرفة بدافع من الاهتمام ، يتحول إلى تحجم غير مهم و ليس فيه ما يكتشف ، هذا ما يحدث بمرور الوقت ، هذا ما حدث كثيرا عندما مر الوقت ..الطريق إلى المأوى أصبح أكثر استقامة ، لم نعد نعرج على الطرقات التي لا تنتمى لخط السير ، قال فجأة إذا كانت أوقاتنا فقيرة و حزينة و لا تستطيع إلى كساء الكلمات سبيلا ، فهل هذا يعني أن الكلمات ذاتها فقيرة ، قد قيلت من قبل ، قلت لا ، فقال في أول الطريق كنت أعتقد أن هناك شئ ما نستطيع أن نجده كلانا سويا ، و لكن الآن لست متأكدا ، فتشت عن الكلمات في رأسي و لم أجد إلا تحيات الافتراق العادية و نحن أمام باب المأوى ..