أمام الباب الموصد تحت وطأة السؤال : بأي اليدين صافح حارس العقار ، هل
كانت اليمنى ، هل بدا الأمر طبيعيا ؟ أتى إلى هنا مخمورا أكثر من مرة و انصرف
كثيرا و هو غير واع ، و لكن تلك المصافحة ربما كانت علامة إن كان بكامل قواه العقلية
أم أنه فقد السيطرة حتى و إن كان ذلك بشكل مؤقت ، يضغط الجرس بشكل متتابع و لا
تأتيه إجابة ليست هناك إشارة إلى وجود أحد بالداخل ، تتجاهله ، تلك الأفكار تنهشه
أمام الباب الموصد الذي لا يبدو أنه سيفتح ، ربما عليه أن يعود أدراجه إلى المنزل
ليغضب على إنفراد و يعد خطة ، هكذا كان يفكر ، تراجع عن الباب و سمح لجسده المنهك
بقليل من الراحة على أولى درجات السلم ، صوت بدا كما لو كان حركة تنبعث من خلف
الباب الموصد ، ثم لا شئ ، أنهكه الانتباه
المفاجئ أكثر ، تداهمه نوبة من الضحك الهستيري ، ضحكاته الهستيرية المكتومة تملئ
عينيه بالدموع و لا يتوقف عن الضحك و يمسك رأسه الذي يسحقه صداع خاطف ، هل انقطع
النور ؟ تحسس دموعه التي بدأت تجري على خديه ، هو لا يفهم ما يحدث ، هل أصابه
العمى ؟ يتحسس الجدران و ينهض و يضغط زر
الجرس فيسمع الصوت ، لا يدري شيئا عن العبث الذي يجري الآن ، في حذر يعود إلى
موقعه على درجة السلم الأولى ، يسند رأسا يمتلئ عن آخره إلى الجدار ..
و يجري في الشارع المظلم بكل طاقته ، كان يدخن سيجارة تكاد تنتهي و على بعد
خطوات تقترب منه حفرة صغيرة تجمع فيها الماء فتذكر كل اللقطات الخالدة لانطفاء
السجائر في حفرة صغيرة يتجمع فيها الماء في شارع شبه مظلم ، خيط دخان يتصاعد و ذبول النار المفاجئ و صوت يشبه تهشم داخلي رقيق ، ألقى السيجارة في
الماء فانقلبت ليبقى الجزء المشتعل إلى الأعلى ، مد قدمه في حركة عفوية و أطفئ
السيجارة و غاصت قدمه و اكتشف أن الحفرة أكثر عمقا مما قدر ، سحب قدما مثقلة خارج
الماء ، الدوائر التي ولدتها حركة قدمه في الماء تسكن ، ثم تقع عينيه على صورة ما في
الماء فيجري في الشارع المظلم بكل طاقته ، ثم يتذكر أنه لا يمكنه تحديد الصورة التي
رآها في الماء فيتوقف منهكا ..
ينتظر لبعض الوقت ممسكا طرف الغطاء الأبيض أعلى وجهه ، ثم يزيحه و يختلس
النظر إليها ، فتتصنع الاستياء و تداري الضحك في دلال يبدو في صوتها الذي يأمره
بأن يتوقف ، فيعيد رفع الغطاء الذي يحجب الرؤية في نعومة ، ثم يعيد الكرة و يزيحه
فيرى ظهرها العاري تلتفت له مرة أخرى ، و قبل أن تقول يعيد هو رفع الغطاء و يستمر
هذا ، حتى تؤلمه ذراعيه فيبقي الغطاء على وجهه و تجتاحه رغبة في النوم ، يرى الآن
ظلال الأشياء من خلف الغطاء الأبيض ، يحاول أن يزيحه ليرى الأشياء ذاتها فيبدو
عاجزا ، بذراعين مفرودين عن آخرهما ، يتعلق خلف الغطاء الأبيض يرى تفاصيل ما يدور
بين ظلها و ظل الغريب ، ظلان يلتحمان في تؤدة و صبر ، يمنحه الوقت ليحتار هل هو
غاضب ، و لماذا يغضب ؟ من هي ؟ ما هي طبيعة العلاقة التي تربطه بها أو تربطها به فقط
كل ما بينهما هو رفع الغطاء و إزاحته ، و ذراعين مفرودين عاجزين عن إزاحة الغطاء
أرهقهما الوضع ، و صخب نهاري و جاذبية أرضية ، و جسده المعلق خارج البناية لصق
النافذة ، و اختيار البقاء معلقا مع الألم يبدو منافيا للواقع ، و اختيار ترك هذا
الجسد ليهوي الآن أيا كانت النتائج .. حدث بالفعل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق