السبت، 3 نوفمبر 2012

تذكرة الناسي .. في أخبار اليوم الدراسي


إنه اليوم الدراسي الذي لا يميزه عن أقرانه من الأيام إلا إنقسام حاد بين الجمع في شأنه ، إنه الحدث أو قل سلسلة الأحداث التي عايشناها جميعا بلا قدرة على سرد جامع مانع لما وقع من أحداث ، ناهيك عما كان من عجز عن ترتيب المدعى من الأساس ، فضلا عن تعذر الوصول إلى خلاصة يدركها و يستعصم بها الناس ، بلفظ أخر لقد انقطع السبيل في معرفة الخبر و العبر في شأن اليوم الدراسي ..
و أما بعد فإن ما تقدم من توضيح لخلافية الشأن ، لا ينفي ما حاولنا و الغير من إبراز الفن في مغالبة الظن ، و طلب الإجادة في تقديم ما خصنا من إفادة ، و اعتصام بموضوعية لا موضوعة و لا متبوعة بغرض يرام إلا بلوغ سلام داخلي لدني يمن به العلي على من طهر النفس مما شاب من نقص حاقت به النفس ، فاعترى الدرس نقص و حق النقص درس ، و هذه وقائع جرت و أحداث سرت بلا تنزيه عن لغط و لا إدعاء لمجاوزة الغلط ..
الفسحة :
كنت تعلم أنك لا يميزك عن الوجود إلا إدراك أكبر لك ، أي عزلة في الداخل عما يحيط بك ، كيف استمرئت خدعة أنك مركز الكون بعد هذا ؟؟
تجلس وحيدا مهما اصطحبت ، تتحلق حولك دائرة من طلاب و أساتذة و غبار يثيره الجري و " تهريج البوابين " ، و بيع و شراء للمخبوزات بالعجوة و بدون ، و أكواب من الشاي ستتحول سريعا إلى أكداس من قمامة على الأرض و فوق رأسك في قاعة الدرس ستتدلي مظاريف الشاي التي ألصقها البعض بقذفها مبتلة بعد الانتهاء من احتساء الشاي ، لتجف و تبقى متدلية من الأعلى بألوان علاماتها ، تجد أن الغرض نبيل قمامة فوق و قمامة تحت ، كما يحتل الدائرة المدخنون في الأركان النائية ، و مستمنون في دورات المياه القذرة فضلا عن قاعات الدرس القذرة أيضا ، و لاعبي كرة يحتلون الملعب قبل و بعد و أثناء الفسحة ، و عصابات السرقة بالإكراه على الأسوار في انتظار طلاب الحرية خارج الأسوار ، و سكرتيرة وحيدة يتبع اسمها بمفردة "سكس" بلا أصل في لغتنا إلا من التقاء مع حرف سين من "جنس" ، بلا وسيلة للجذب غير مؤخرة طرية ، تستثير على الأقل نصف سكان الإصلاحية ، و حتى الغائبين الحاضرين بوجودهم المادي في قاعات السينما يشاهدون المسوخ المضخمة و يستمتعون ، و سكان محال ألعاب الفيديو المهوسون بالفوز و التميز ، و محبي المشاجرات و إظهار الفتوة ، و الحالمين بذور الشعراء و الأدباء و الفنانين المسحوقين ، و الضيوف من أمثال مدمني المخدرات يقدمون ندوات تصف الطريق الطويل للخروج من الإدمان إلى النور في شك إذا ما كانوا سيستمرون في توبتهم التي مضت عليها شهور بل سنين أم سيعودون إلى غي و عبودية الإدمان ، مع قصص شيقة مفترض أنها تزرع الخوف و تحرضنا على الرشاد عن رفاق في طريق الإدمان تركوا موتى في دورات مياه تخص دور العبادة ، مع نصائح قد تحوي تفاصيل مفيدة مثل إذا أردت أن تقلع فأقلع حتى عن المشي في طرق تعودت تعاطي المخدرات فيها ، فضلا عن مقاطعة المأكولات و المشروبات التي صاحبت التعاطي ، و لا ننسى أن عصير القصب "بيعلِّي" !!
إلى متى تستمر الفسحة ؟ حتى نهاية الدقائق الثلاثون ، أم دهرا .. في يوم كان مقداره عمرا عند لاهٍ منغمس في الذات ، متوهم لمركزيته و مستمتع بدور "الجوكر" الذي يستطيع أن يسد أكثر من فراغ في دائرة ، يفضل أن يكون مركزها .. مجرد نقطة ، حتى يثبت العكس .
الحصة الرابعة :
أنت أيها المخدوع المخادع خدعت نفسك و امتثلت للأمر الواقع ، فمن أوقعه غيرك ؟ كلما لحظتنا و نجحنا في نزعك من ذاتك ، ستظن أنك في موقف قوة و تحاول إثبات التفرد حتى و لو بتواضع ، فنصدمك ببلادة تأتي على ما اصطنعت بلا رحمة ، و نضيق عليك في قلعتك حصنك الأخير بصمة يدك التي لا تتكرر ، و ستبصرها تتكرر رغم أنفك بعلوم الإذلال و التبديد .. إلى ذاتك فلتعد محملا بخيبة تهوي بك ..
تكرار خلق النظام من الفوضى يستمر ، تضخ أنت و الآخرين من براح الفسحة المهيج للحواس إلى ضيق قاعة الدرس المحفز لوظائف قولبة الذات ، التى تبدأ بتركيز إلى شرود إلى بحث عن دور و نجاح فوري ثم تضخيم الذات الذي يحيل النجاح الفوري و الفشل الفوري إلى خطوة نحو نجاح كبير مؤجل في سعي نحو هدف يبعد عنك باستمرار في عالم الذكري ..
نزعك من انغماسك في الأفكار الاقتصادية التي تتماشى مع موضوع الحصة الرابعة (الاقتصاد) ، وجه المعلم البديل وجه المعلم البليد .. أحد أساتذة اللغة العربية ، ليس القائم على تدريسنا إياها ، تجنب الدخول في تفاصيل ما قطعنا في منهج اللغة ، خوفا من علم مدرس اللغة الأساسي بهذا و ربما يغضب ، غاب معلم الاقتصاد فجاء معلم بديل للغة العربية ، يشعر أنه مهم بعد الفسحة جميعنا محمر و متلفح بعرق و إنهاك طازج و وسن حاضر في عيون رأت بشائر الانصراف ، يشتبك مع طالب آخر في حوار يبدو ودي حول التعليم كطرفي العملية ، كل منهم يدلي بدلوه ، زوجين من الديكة في صراع ، يحتدا في حدود المسموح ، و القتل مسموح و الطالب يلمس الجرح و تمتد يده إلى المكتسبات المقدسة ،
كيف تجعلوننا نحفظ ما تملون علينا أنتم أنه جميل ؟
و كيف تسول لكم أنفسكم إمتحاننا في التعبير ، كيف تنتقصوا من ذواتنا لذواتكم ، و بأي حق و لماذا ؟
هاجت الدنيا ، المزيد من الديكة يتصايحون قبل الإجهاز على الديك المحنك بدراسة طالت في مدرسة الإذلال .. إبتسامة تلوح في وجهه ، قال حسنا .. حسنا فلنهدأ قليلا ، كل السادة الأفاضل استخرجوا أوراقكم البيضاء التي ستسود بها وجوهكم عما قليل .. البعض يتململ و يلوم الطالب هؤلاء هم الهزيمة التي سيتلفح بها إلى الأبد هذا الطالب ، المعلم البديل يقول اكتبوا ورائي بعد كتابة أسمائكم على الأوراق ..
"في الحصة الرابعة من اليوم الدراسي ، قررنا أننا نملك من العلم ما يعفينا من الاحتكام إلى مراجعات أساليب تعبيرنا و لن نقبل بها بعد ذلك ، حتى و إن كانت من معلمي اللغة ، سجاني اللغة ، تجار اللغة ، سماسرتها ، نحن أحرار ، و لا يعنينا ما رأيتم في ذلك ، لنا بديع التعبير و لنا الفصاحة و البلاغة و لكم أن تندموا على سنوات قضيتموها في مواقعنا بلا فطنة لكم كما لنا ، بقبول منكم لمعلمين يضعونكم في سجون الإملاء عند السؤال عن حقكم في التعبير ، معلمكم السعيد بنزقكم يطلب منكم أن تكتبوا قصة رجل _أبعد الله الشر عنكم _ يحق عليه الفشل و التبعية بعد هذا في موضوع تعبيري منزه عن التقييم للوضع بلوحة الشرف فيما لا يزيد عن عشرة أسطر أو فيما لا ينقص عن عمر" أنهى المعلم ما أملانا و أملى لنا حتى نعبر ..
الحصة الخامسة :
قدمت لك الهزيمة بأيديهم ، فلم قبلتها و ليست منك و لست منها في شئ ، ما دام النصر بيدك و منك ؟
هزم المتململون منذ البدء ، و أعلنت هزيمتهم بإعلان الحصة الخامسة أيضا للفوضى تحت حكم المعلم البديل ، لا تسأل من تغيب لتحل الهزيمة بديله في صورة معلم لغة عربية ، يمارس دوره الطبيعي في هزيمة الذات التي لابد لها أن تتضخم بعد حلول الضآلة عليها ..
خرج ما لا يقل عن نصف الطلاب من أماكنهم في وجوههم ابتسامة بلهاء ، تغني أنا الهزيمة ، عندما خيروا بأن من ليس له رغبة في استئناف التحدي ، من سيذهب إلى الامتحان و الحياة بقناعة أن من حقنا نحن معلمي اللغة أن نقيم تعبيركم بما تراءى لنا أنه يستحقه ، من يرى أن تسعة و تسعون بالمائة من أوراق اللعب في أيدينا ، فليخرج من مقعده ، في لهجة ساخرة ظاهرها القرب منهم صنعت في برج من عاج يملكه معلم لغة عربية بديل فاشل امتدت يده يوما ما إلى المكتسبات المقدسة ، فتجرع الهزيمة ببطئ حتى نال شهادة مدرسة الإذلال ..
في منتصف الحدث الطالب الحدث .. مشروع الهزيمة طويل الأمد ، عشرة أسطر مساحة لن تملأها كلماتي وحدها بل أملأها أنا أيضا ، كتب " من لم يبدد حصة التعبير ، ليس له مكان بين الدواجن التي تسكن حصة الإملاء" ثم أخذ يغطي إبهامه بحبر قلمه الجاف و وضع بصمته في منتصف مساحة السطور العشر ، و قال هذا يكفينا جميعا ضعوا بصماتكم إلى جوار بصمتي ، و هذا يكفينا .. استجاب البعض ، و أغرق المنهزمون الأوائل ، و أنت أتاك صوته فقلت : سآوي إلى موضوع تعبيري عن الفشل و التبعية لا ينقص عن عمر ، و بدأت حينها و لا تدري إلى أن وصلت يدك إلى نص أدبي يقول " نوح راح لحاله و الطوفان استمر ..." ، و تذكرت ما كان ثم لا زلت مقيما على ما بدأت ..
وقفة لإنهاء خبر ما كان ثم إقامة على ما كان و ما هو كائن و ما سيكون :
أنت يا من تسكن الحصة الأخيرة التي تطول ، تلك التي يحيطها الماء من كل جانب ، فتطل على ذاتها المحاصرة بالغرق ، أقم حيث أنت و أقم وزنا لما يبدو لك من خيارات عبثية ، و استمتع بطول مفارقة روح تروم الراحة ..  
في السادسة الأخيرة جاء معلم الأحياء صديق البديل الذي استأذن ، لاتمام عمله السامي في حفظ المكتسبات المقدسة ، و أنتهز البديل الفرصة و قال شيئا عن نشوء و إرتقاء و قالا معا في سعادة شيئا عن انهزام النظرية إن كانت تقول أن الإنسان أرقى ما في السلسلة ، و أنها تبقى عتيدة إذا قالت أن الإنسان ليس إلا طور من أطوار الحيوانية التي لها ما يتبعها ، فالطبيعة تنتخب الأقوى ، و الأقوى هو الأرقى ، و الأرقى في نهاية المطاف قد يكون الأكثر اضمحلالا ، انتهى ما انتهى من مراحل قولبة الذات و تضخمت ذوات و تضاءلت أخرى لتتضخم ، و تضخمت ذوات في عزلة لا تتسع لها ، و لا زلت تعبر في عمر :
" كنت أشحذ الرفاق ، لم أوهب الجاذبية فاكتفيت بدماثة الخلق ، أنهزمت و تلطخت ثياب الرفاق بهزائمي ، و حقق الرفاق نجاحات طعمها فشل في حلقي ، تحقق البعد على مهل كلعنة لابد واقعة ، بقيت وحيدا كهزيمة مؤامرة تعد منذ زمن طويل ، و كأنني قلت في البدء يحق على الفشل إذا بقيت وحيدا ، أي شركاء الحلم الزاهدون لا مزيد من التطلب من جانبي ، بسلام اذهبوا ، كل شئ مقدر له أن يحدث منذ عهد الهزيمة الأولى ، أسكن جزيرة نائية لم تعد تغويكم أي من خصالي حتى بالمرور بها ، أنا عاكف على موضوع تعبيري لا يقل عن عمر ، عن رجل حق عليه الفشل ، لأنه كان دائما يختار أقل الخسائر ، حتى تعلم فداحة الخسائر القليلة و إلهاء خسائر المقامرين الكبيرة الواسعة المصحوبة بمتعة المقامرة ، لن أطيل عليكم عمرا رغم أني لازلت أعبر ، لكم مني سلام "
الخاتمة :
إطلالة منك على ورقة الامتحان ، تحيلك إلى التعبير المتصل : ( في لغة متحفية ، صف اليوم الدراسي كموضوع خلافي ، يفشل التعبير عنه ، بأمانة ، متجنبا الثقة العمياء فيما تعتقد غارقا في الشك ، بائسا كما ينبغي لمن يعبر بلغة متحفية تملى عليه في حصة إملاء تنفي مساحة التعبير و تسجنها .. ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق