الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

خواطر السيدة العجوز..


اللغة تلك العجوز التي يحاصرها الموت ، لا يقتلها فترتاح و يحل الصمت ، و لا ينأى عنها فتستمتع ومفرداتها بسلام ، تلك التي محي ما محي من ذاكرتها من كلمات و عبارات لا تملك رفاهية تذكرها و البكاء عليها ، تلك الوسيلة الغاية و الغاية السجن و السجن المنفى و المنفى العزلة ، التي يفوق ترفعها ما عندنا من زهد فيها ، فنهزم و نقول ، و تغضب علينا قتلة الكلمات ، و تغضب بعمق و صدق لدرجة أن يفقد الغضب معناه ، تودع روح الغضب الكلمة ، و يبقى الحزن الابن الأوسط ، بلا مشروع و بلا طموح و بلا رغبات تلقيه في هوة الموت ، فيحيا ويرزق الرحمة ، تفرح اللغة بالرحمة ، و يرضى الحزن عن ذلك ، فهو يرضيه ما يرضيها ، و هو يصدق عظمتها ، و يصدق المتنازع عليه المختلف بشأنه من أن لها المعنى ، و يصدق أيضا أن الزمن ظل يمنيها لزمن طويل بأن يكون لها المعنى ، و دوما قال الزمن الغواية عندما و عندما و عندما ، و دوما انتظرت عندما ، و دوما كان هناك عندما بعد عندما ، و لم تنفذ العندمات ، و عند كل عندما حملت الخيبة ، كان هناك الصبر ، ذاك الطاغي الذي تخشاه ، ليس الصبر الابن الأكبر و لكنها تمتثل له ، و بهذا لا يصدر عنه سوء نحوها ، لم تر منه الوجه الآخر القبيح ، سمعت عنه و لا تملك الشجاعة لتمعن في تخيله فما بالك بمواجهته ، أقاويل غامضة عن بشاعة الوجه الآخر للصبر ، يقولون بأن ما في هذا الوجه الآخر للصبر من قسوة و وحشية يفوق كل ما أتى به الغضب ، يقولون بأن الصبر خرج من رحمها كالآخرين ، و يقولون أنها حملته بعد أن أخذها الزمن غصبا ، و لكنها لا تذكر و تظل تخشاه ، و يظل دوما يلقي ما لديه و ينصرف عالما بأن ما قاله نافذ ، قويا كما الزمن ، لا عجب إذا قيل أنه ابنه ، و لكنها لا تذكر و تفضل هذا ففي الذكرى الألم ، و هي في بقائها كما بقائنا ترقب مرور الوقت ، و أحيانا يحلو لها أن تخلو بنفسها بعد أن يخلد الحزن و أسرته إلى النوم عندما يطمئن بأنه ليس هناك ما ترغبه ، و عندما تكون في هذه الخلوة و كما اعتادت أن تفعل فيما قبل تنهض من نومتها و تجلس على سريرها و تواجه المرآة فيسري شعرها الرمادي ، و تمشطه ثم تستمتع بجدل الضفيرة و تداعبها ذكرى المعنى الحبيب الغائب ، و أحيانا يطول بها الوقت هكذا و يمتد حبل الخواطر فتقول سيأتي و تنتشي ، و عندما يأتي ستستلقي في الضمة بلا آخر ، و ستحمل منه البهجة لتخرج بعد ذلك من رحمها برغم كل شئ آخرا لعنقود لم ينفرط بعد ، هاجس الموت يخترق الخلوة بخبث بعد أن شرد العنكبوت و ظل يملي لها قابعا في الركن ، يعنون خلوتها في سخرية خواطر السيدة العجوز

، تتمالك نفسها و تنهر الحزن الذي استيقظ صدفة و قرر أن يمر بها ،فينصرف نزولا على طلبها ، و تتملى في خيالها وجه الصبر الهادئ الذي تعرفه لا الوجه الآخر الذي يحكى عنه ، تفعل ذلك للحظات بلا خوف فتستعيد خلوتها ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق